شكلت الرسائل الالكترونية التي بعثها دبلوماسيون أميركيون والتي تخص العالم العربي (ثم تم تسريبها على موقع ويكيليكس)، مقدمة للانتفاضات التي اندلعت في البلدان العربية أكثر منها خاتمة. فدورها يكمن في تقديم أدلة قاطعة على حالات الفساد الخاصة بالرئيس التونسي السابق زين الدين بن علي وربما كانت دليلا على أن الولايات المتحدة كانت تعرف بأنه "لص ووغد" على حد تعبير مجلة "فورن بوليسي".
مع ذلك فإن مئات الرسائل الالكترونية التي تم كشفها على صفحات ويكيليكس القادمة من القاهرة وتونس وطرابلس لم تتنبأ بوقوع انهيار سريع لهذه الأنظمة.
وحسب المجلة المتخصصة بالشؤون الخارجية فإن الانطباع المتكون بعد مراجعة الرسائل المتسربة هو أن الدبلوماسيين الأميركيين كانوا مهتمين بكل القضايا العادلة لكن يبدو أنهم لم يكونوا يمتلكون أي سلطة لجعلها تتحقق لأن نفوذهم لم يكن كافيا لإقناع اي شخص بتحقيق الإصلاح. ولم يبدُ أن كاتبي هذه الرسائل ممثلون لدولة عظمى بل هم ممثلون دبلوماسيون لدولة أقل شأنا مثل كندا.
في رسائل الدبلوماسيين الأميركيين كانت الاسئلة التالية مطروحة أكثر من مرة: ما الذي سيحدث لاحقا بعد هذا الجيل من المستبدين العرب؟ وكيف يمكننا أن نحتفظ بعلاقات تجمع ما بين وزارة الخارجية الأميركية والسياسيين والعسكريين الذين قد يستولون يوما على السلطة؟ وقد عبر الدبلوماسيون في رسائلهم الالكترونية عن همومهم بعد لقاءاتهم ببعض منظمات المجتمع المدني والتشكيلات الداعية للديمقراطية وقد تعقبوا في رسائلهم القسوة التي كانت الشرطة تمارسها ضد المدنيين والفساد الوقح الذي أدى إلى تآكل السلطة الروحية للحكومتين. لكننا الآن ونحن نعرف ما حل بالرئيسين السابقين التونسي والمصري فإن هذه الرسائل أصبحت دليلا على اقتراحات واستهلالات كان يقوم بها هؤلاء الدبلوماسيون لجعل هذين الزعيمين يقومان بإصلاح كاف يجنب وقوع ثورة عارمة.
مع ذلك فإن الرسائل التي بعثت من ليبيا والبحرين وعمان كانت أقل إلحاحا في تأكيد الحاجة لإصلاحات ديمقراطية وشعبية وهذا لأن هذه البلدان تخلو من حركات ناشطة لتحقيق الديمقراطية مثلما هو الحال مع تونس ومصر.
تعبر المقالة المنشورة في "فورن بوليسي" عن استغرابها من ضآلة المعلومات التي كشفتها رسائل الدبلوماسيين الأميركيين عما كان يجري في مصر بعد 30 سنة على الشراكة القائمة بين مصر والولايات المتحدة. تكتب السفيرة الأميركية لدى مصر مارغريت سكوبي في إحدى الرسائل: "تبقى الحكومة المصرية متشككة بدورنا في دعم الديمقراطية" وتضيف السفيرة أن الشركاء المصريين قلقون من أن الديمقراطية ستؤول إلى "تقوية حركة الاخوان المسلمين".
تبرر المجلة تقلص التأثير الأميركي إلى انطباع مبارك بأن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تفرض تأثيرها بوسائل فعالة وتبقي في الوقت نفسه حلفاءها في وضع آمن.
ويبدو أن مبارك قد قاوم بشدة جهود الولايات المتحدة بدمقرطة النظام المصري عن طريق التذكير بما حدث لشاه إيران الذي قدم تنازلات كثيرة لكن ذلك أدى إلى التعجيل بسقوطه وموته في المنفى.
تقول السفيرة الأميركية في رسالة أخرى: "كلما واجه الرئيس مبارك هذه الجهود الاميركية كان يشير إلى الفوضى وفقدان الاستقرار الذي سيعقب" تحقيق إصلاحات. لذلك فإن الولايات المتحدة قد قلصت كي تلعب دورا ضئيلا في تمويل جماعات داعية للديمقراطية لكنها قد تكون هذه الجهود خالية من أي تأثير.
تستنتج المقالة أن الدرس الذي يمكن أخذه من التسريبات على موقع ويكيليكس هو أنه عند وصول أي حكومة منفصلة تماما عن الشارع فإن الولايات المتحدة لن تستطيع أن تغريها كي تقوم بمبادرة ما هي لصالحها في نهاية المطاف، فكأن هذه الحكومة قد وصلت الى نقطة اللاعودة وأنها في طريقها للسقوط. |
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire