jeudi 20 janvier 2011

لبنان ينجرف نحو الحرب


عبد الباري عطوان
2011-01-19

 
اذا اراد اي مراقب ان يستقرئ خريطة الاحداث المتوقعة في المستقبل اللبناني، القريب منه او البعيد، فان عليه ان يتابع ما يصدر عن المملكة العربية السعودية، ووزير خارجيتها الامير سعود الفيصل على وجه التحديد من مواقف وتصريحات، بسبب النفوذ الكبير الذي تتمتع به، وعلاقاتها التحالفية الوثيقة مع الولايات المتحدة الامريكية، واطلاعها بالتالي على ادق تفاصيل ما يجري طبخه في دهاليزها من مخططات لهذا البلد المنكوب.
فعندما يؤكد الامير سعود الفيصل في لقاء مع قناة 'العربية' ان الوضع في لبنان 'خطير'، وان بلاده رفعت يدها عن الوساطة التي اجرتها بالاشتراك مع سورية لحل الازمة المتعلقة بالمحكمة الدولية، بشأن اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري وتداعياتها، فان علينا في هذه الحالة، وبناء على هذه التصريحات الواضحة من رجل محسوب على معسكر الصقور في الاسرة الحاكمة ان نتوقع الاسوأ، وهذا الاسوأ يمكن ان يتبلور في ثلاثة احتمالات:
الاول: تفجير فتنة طائفـــية، سنية شيعية في لبنان تتطور الى حرب اهلية توفر الذرائع لتدخلات عسكرية خارجية، وعمليات استقطاب داخلية.
الثاني: اقدام اسرائيل على شن عدوان كـــبير على لبنــان مستغلة تدهور الاوضاع الامنية، او استخدام القـــرار الظني للمحكمة الدولية بتجريم 'حزب الله' من خلال اتهام عناصر فيه بالوقوف خلف جريمة الاغتيال كضوء اخضر، او ذريعة لانهاء وجود المقاومة في لبنان بالقوة العسكرية.
الثالث: تقسيم لبنان الى كانتونات مستقلة او شبه مستقلة، او دول ميكروسكوبية على غرار 'مونت كارلو' او 'ليختنشتاين'، او 'آيل اف مان' في الجنوب البريطاني وهكذا.
الامير سعود الفيصل لا ينطق عن هوى عندما يقول 'اذا وصلت الامور الى الانفصال، وتقسيم لبنان، انتهى لبنان كدولة تحتوي على هذا النمط من التعايش السلمي' فهذا يعني ان هناك مخططا للتقسيم مطروحا كأحد الحلول، ووفق حدود المعسكرين المتصارعين، تيار الرابع عشر من آذار بزعامة السيد سعد الحريري وتيار المقاومة او المعارضة بزعامة حزب الله.
ولا نعرف ما هي المعايير التي ارتكز عليها الامير سعود الفيصل في حديثه عن التقسيم، فهل يقصد فصل الجنوب ذي الغالبية الشيعية عن الشمال حيث الغالبية السنية والمارونية، وفي هذه الحالة يظل من الجائز التساؤل عن الجيوب المسيحية والدرزية والسنية مثلا، وهل ستتم عمليات تطهير عرقي، وترحيل قسري لغير المرغوب فيهم في ظل التغول الطائفي الذي يطل برأسه ويجد تشجيعا من الخارج العربي والغربي؟
* * *
الخريطة السياسية الحالية في لبنان تختلف كليا عن نظيرتها في السبعينات عندما اشتعلت نيران الحرب الاهلية، فقد كان هناك معسكران متقاتلان، احدهما اسلامي 'تقدمي' مدعوم من المقاومة الفلسطينية يضم السنة والشيعة والدروز، والآخر مسيحي صرف مع وجود بعض الجيوب الصغيرة جدا 'المحايدة' او 'المعارضة'.
الآن الصورة مختلفة، فهناك سنة مع السيد الحريري وسنة ضده، وهناك تيار ماروني مسيحي قوي مع معسكر المقاومة بزعامة العماد ميشال عون ويضم السيد سليمان فرنجية وآخرين، مثلما هناك شيعة ايضا ينضوون تحت عباءة تيار الرابع عشر من آذار المناوئ لحزب الله وحركة امل بزعامة السيد نبيه بري رئيس مجلس النواب.
لبنان اصغر بل واعقد من ان ينقسم الى دول او مدن الطوائف والمذاهب، اللهم الا اذا كانت هناك مخططات امريكية لا نعرفها، فمن قسم السودان، وفتت العراق، ومزق الاراضي المحتلة في فلسطين الى جيبين متنازعين، يستطيع ان يغرس سكينه في الجسم اللبناني ويقطع اوصاله بتواطؤ داخلي ودعم عربي مستغلاً حالة الانهيار المهين التي تعيشها الامة العربية حالياً.
فالوساطة السورية ـ السعودية التي اكد الامير سعود الفيصل وفاتها، لم تكن موجودة اصلاً، وان وجدت فانها لم تكن جدية، وان كانت جدية، فان جديتها تنبعث من حسن نوايا اصحابها، وليس من رغبة واشنطن وتأييدها لها، وان أيدتها واشنطن فذلك لاستخدامها كحقنة تخدير، أو 'رضاعة صناعية' لالهاء اللبنانيين، وتهدئة الاوضاع في بلادهم، وكسب اطول فترة من الوقت ريثما تتهيأ الظروف الملائمة لاصدار القرار الظني عن المحكمة الدولية في الموعد المقرر.
***
فليس صدفة ان يتم الاعلان عن انتهاء الوساطة السعودية ـ السورية فجأة وبعد انتهاء عطلة اعياد الميلاد المجيدة، وليس صدفة ايضاً ان يتكرس 'الطلاق' السوري ـ السعودي بعد اجتماع رباعي في جناح العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز في نيويورك وبحضور الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والسيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية، علاوة على السيد سعد الحريري رئيس تجمع الرابع عشر من آذار ورئيس الوزراء في حينه.
وليس من قبيل الصدف ايضاً ان يقدم ايهود باراك وزير الدفاع الاسرائيلي على الانسحاب من حزب العمل، وتكوين تكتل سياسي جديد يعزز تحالفه مع بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء، وافيغدور ليبرمان وزير الخارجية، ويؤسس 'لحكومة حرب' في اسرائيل.
ما يجمع نتنياهو وباراك هو الايمان بحتمية شن حرب لتدمير حزب الله في لبنان وتكون 'مصيدة' لجر سورية او ايران او الاثنتين معاً، وبما يؤدي الى توفير الذرائع لتوسيع هذه الحرب، وتوريط الولايات المتحدة واوروبا فيها الى جانب اسرائيل والقوى المتحالفة معها، بطريقة مباشرة او غير مباشرة في لبنان.
يؤلمنا ان نقول ان لبنان يتجه بسرعة نحو الحرب، لان احتمالات السلام تتراجع ان لم تكن قد تبخرت كلياً، مما يعني ان الجهود الدؤوبة التي يبذلها المثلث السوري ـ التركي ـ القطري حالياً تواجه مصاعب كثيرة، ولا نبالغ اذا قلنا ان تصريحات الامير سعود الفيصل التي تزامنت مع قمة دمشق الثلاثية كانت تهدف الى اجهاض هذه الجهود، او تقليل فرص نجاحها في افضل الاحوال.
ما يطمئننا، في وسط ظلام المؤامرات الحالك السواد، ان المقاومة اختارت الصمود، والدفاع عن لبنان وعروبته في مواجهة اي عدوان اسرائيلي، بالرجولة التي شاهدناها اثناء حرب صيف عام 2006، فالحروب الاسرائيلية لم تعد سهلة، او طريقاً من اتجاه واحد في مواجهة انظمة منهارة فاسدة جعجاعة، وانما اصبحت حروباً في مواجهة شعوب بات ابناؤها يلجأون الى حرق انفسهم لإشعال فتيل ثورات تنهي انظمة القمع والفساد والظلم.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire