اختار أنتوني تومازيني، كبير النقاد الموسيقيين في صحيفة «نيويورك تايمز» قائمة تضم المؤلفين الموسيقين الأعظم في العالم، وكان في رأس القائمة، باخ وتلاهموزارت وبيتهوفن ومن ثم شوبرت، وتتوالى القائمة لتضم ديبوسي، سترافنسكي، برامز، فيردي وفاغنر، بارتوك.
أنتوني تومازيني* هو كبير النقاد الموسيقيين في «نيويورك تايمز» وأحد أشهر الكتّاب في الموسيقى الكلاسيكية في العالم. وقد بدأ قبل اسبوعين مشروعا، عبر المقالات وشرائط الفيديو والمدونات الشخصية على الانترنت، لاختياره الخاص أعظم عشرة مؤلفين كلاسيكيين - من غير الأحياء - في التاريخ. واجتذب مشروعه أكثر من 1500 قارئ ساهموا ايضا بآرائهم وتعليقاتهم.
ويتوج تومازيني مشروعه بمقال مطول يتعرض في بدايته تساؤلا عن السر الذي يجعل أعمال كبار المؤلفين الكلاسيكيين إنجازا بشريا مدهشا. ويخلص الى أن الإجابة تكمن ربما في أن هذه الأعمال «ليست نصبا تذكارية أو تماثيل حجرية تعود الى عصور سابقة، وإنما كائنات حية تتنفس بين ظهرانينا. ومثلما ننظم حياتنا بدعم اولئك الذين نحب فإننا نفعل الشيء نفسه مع هؤلاء المولفين الذين نحب».
وتبعا للكاتب فقد تلقى كمّاً هائلا من الاعتراضات على استبعاده المؤلفين الأحياء. لكنه يصر على أن قراره يستند على مشروعية أن هؤلاء من القرب الينا بحيث يضيع علينا المنظور اللازم لوضعهم في أماكنهم الصحيحة في الصورة. ويضيف أن «تقييم العظَمة» هو آخر ما يفكر فيه المرء وهو يستمع الى عمل جديد.
ثم يمضي لاختياره المؤلفين الكلاسيكيين العشرة الأعظم بالترتيب التالي:
باخيوهان سيباستيان باخ يحظى بالمرتبة الأولى بسبب «جمعه العبقري بين الهندسة الموسيقية الراقية مع الهندسة الموسيقية كأداة لأبلغ درجات التعبير». ورغم أن أعماله في عصره كانت تعتبر «عتيقة وبالية»، وأنه نفسه كان واعيا بالتيارات الموسيقية الجديدة، فقد استجاب لهذا بالإيغال في أسلوبه الخاص لأنه كان يعلم أنه فريد. ورغم أنه لم يؤلف للأوبرا مطلقا، فإن أعماله الكورالية تشهد له بقدرته غير العادية على الموسيقى الدرامية. وفي أعماله للأورغن والآلات ذات لوحات المفاتيح عموما، استبق الروماسية الارتجالية التي تميزت بها أعمال عظام لاحقين من أمثال فرانتس ليست وسيرغي رحمانينوف.
|
يوهان سيباستيان باخ |
موزارت وبيتهوفن المرتبة الثانية والثالثة من نصيب فولفغانغ أمادياس موزارت ولودفيغ فان بيتهوفن لأنهما يستويان مكانة عندما يتعلق الأمر بالموسيقى الأوركسترالية وحدها. لكن موزارت سار أيضا على طريق الاسكتشافات الأوبرالية وأتى منها بابتدعات وإبداعات تضعه أمام بيتهوفن ولا شك. على أن هذا الأخير نفسه أنجز ما يؤهله للمرتبة الثانية وهو أن مؤلفاته تميزت بجرأة ومِنعة وراديكالية وأيضا «وحشية شاعرية» لم تؤت لغيره، ولهذا يمكن القول إن المركزين الثاني والثالث من نصيب هذين المؤلفين بدون ترتيب معين.
| |
موزارت | بيتهوفن |
شوبرتلا يمكن للمرء الا أن يضع فرانتس شوبرت، الذي رحل عن الدنيا وهو في الحادية والثلاثين من العمر لا أكثر، رابعا بعد باخ وموزارت وبيتهوفن. نعم مات فقيرا ومُتجاهلا، ولكن قلة من أصدقاء كانوا ينظرون اليه ورؤوسهم مطأطأة أمام عبقريته الموسيقية. وحتى إذا تجاهلنا أعماله السيمفونية غير المكتملة وسيمفونيته التاسعة التي يكاد الوصف أن يعجز عن احتوائها، فله المئات من «الأغاني» التي لا يذكر تعبير «الموسيقى الكلاسيكية» الا وذكرت معها.
|
فرانتس شوبرت |
ديبوسيالفرنسي (كلود) ديبوسي، صاحب الموسيقى الجيرمانية النابضة، يأتي خامسا لأنه كان رائدا حقيقيا في الهارموني الذي يتغلغل في اللاوعي بشكل يذكّر بأحاديث فرويد عن الغرائز الكامنة. وكان بحق الجسر الذي عبرت عليه الموسيقى الى القرن العشرين.
|
الفرنسي (كلود) ديبوسي |
سترافنسكيكان ايغور سترافنسكي هو أحد العابرين على هذا الجسر الذي شيّده ديبوسي، صديقه الذي كان يكبره بعشرين عاما. لكن الآفاق الجديدة التي طرقها أتت الى عالم الموسيقى الكلاسيكية بما لا يقل عن ثورة حقيقية في الشكل والمضمون. ولا شك في أن وفاته ذات صباح في العام 1971 زلزلت الأرض من تحت أقدام ذلك العالم، إذ كان الأمر كما لو أن بيتهوفن نفسه مات في ذلك الصباح.
|
ايغور سترافنسكي |
برامزقد يجد البعض ما يعتبرونه نواقص لدى يوهانس برامز تأتت من محاولته إطالة أمد «الشكل الكلاسيكي» القديم وسعيه، في الوقت نفسه، الى سبر غور الاحتمالات الجديدة بغرض تجديد ذلك القديم. لكن أعماله من سيمفونيات وكونشيرتات البيانو والبيانو المنفرد وحدها تضمن له إزاحة أسماء تنافسه في التربع على هذه المرتبة مثل جورج فريدريك هاندل وفريدريك شوبان ودميتري شوستاكوفيتش.
|
يوهانس برامز |
فيردي وفاغنرربما كان «طبيعيا» أن يأتي شوبان، بأصواته المتميزة تماما عن البقية، في أعقاب برامز. لكن عملاقي اوبرا القرن التاسع عشر جيوزيبي فيردي ورتشارد فاغنر لا يسمحان بهذا. وكون اوبرا مثل «لاترافياتا» قادرة اليوم على إثارة مشاعر الجمهور على النحو الذي نراه أينما عرضت شهادة تكفي للإقرار بعظمة مؤلفها فيردي.
ومن الجهة الأخرى صارت «رباعية الخاتم» - وهي أضخم عمل من نوعه في التاريخ - بمثابة الشرط الأساسي لأي دار اوبرا تطمح لأن تُعتبر «محترمة»، وهذه بحد ذاتها شهادة لمؤلفها فاغنر. ولنذكر له أنه جعل الدقائق العشرين الأخيرة من اوبرا «فالكيري» تقطر بحزن موسيقي لا مثيل لجماله في تاريخ الكلاسيكيات على الإطلاق.
ولكن من منهما يأتي قبل الآخر في هاتين المرتبتين الثامنة والتاسعة؟ فيردي لأنه كان وطنيا أسس «دار تقاعد الموسقيين» الذي يفتح أبوابه حتى اليوم في ميلانو. أما فاغنر، على عبقريته، فقد كان معاديا لليهود وأنانيا اعتبر شخصه في مقام أرفع من موسيقاه ولهذا يأتي في التاسعة.
| |
جيوزيبي فيردي | رتشارد فاغنر |
.. وأخيرا العاشرفليغفر لنا جوزيف هايدن. لكن تركته حُقنت بدماء جديدة على أيدي صديقه موزارت وتلميذه بيتهوفن ثم مختلف رواد الحركة الكلاسيكية. والاعتذار أيضا لغوستاف مالر لأنه لن يجلس هنا رغم مؤلفاته «ذات البصيرة المستقبلية». فهل يترك هذا المجال مفتوحا لجياكومو بوتشيني؟.. أم لعشرات آخرين عج بهم القرن العشرين ورشحهم القراء لأسباب لا تقل شأنا عن تلك التي منحت التسعة الأوائل مراتبهم تلك؟ بارتوكالمجري بيلا بارتوك يأتي في المرتبة العاشرة لأن أعماله من أكبر أعمدة الموسيقى الكلاسيكية في القرن العشرين وسلّحت أجيالا من المؤلفين بعده فتمكنوا من إضافة العنصر الفوكلوري والموسيقى التقليدية من مختلف الثقافات الى أعمالهم. وهو يحتل هذه المرتبة أيضا لأنه من عتاة المحدثين. فقد أثبت - في وجه الصيغ الجديدة التي أتى بها العبقري الآخر آرنولد شوينبرغ - أن هناك على الدوام طريقا آخر ولغة أخرى عبارة عن خليط راق من النغمية والسلالم الموسيقية غير المألوفة والفُسحة في عوالم ما كنا ندري انها موجودة.
|
بيلا بارتوك |
إطار* ولد أنتوني تومازيني في بروكلين ونشأ في لونغ آيلاند (نيويورك). نال بكالوريوس الآداب من جامعة ييل، كونيتيكت، في العام 1970، وماجستير الموسيقى فيها نفسها ثم الدكتوراه في الفنون الموسيقية من جامعة بوسطن في 1982. وهو مؤلف لعدد من الكتب في مجاله ومحاضر في الموسيقى بعدد من الجامعات الأميركية، على أنه اشتهر بشكل خاص من خلال عمله كبيرا للنقاد الموسيقيين في «نيويورك تايمز».
|
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire