بعد ايام، يحتفل العالم بعيد المرأة، اليوم العالمي للاحتفاء بما انجز والتذكير بما لم ينجز. وقد شهدت المرأة في الدول العربية وايران، في الشهور القليلة الماضية، تصاعد دورها لتغيير واقع ساهمت في بنائه وتكوينه في حقب زمنية سابقة، لتضع مع إخوتها الرجال، أسس مستقبل الابناء والبلاد.
تشارك المرأة العراقية اليوم، كما أخواتها في تونس ومصر والبحرين وليبيا واليمن، في تظاهرات واعتصامات تهدف الى وضع حد لما يجثم على الصدور من قمع وفساد واهانات يومية تحط من كرامة الانسان وعزة نفسه. لكنها، في الوقت نفسه، خلافا لاخواتها الاخريات، باستثناء المرأة الفلسطينية، تشارك لتضع حدا لقمع واضطهاد مزدوج. فبالاضافة الى مطالبتها بتغيير نظام محلي شرس يتمثل بحكومة تعنى بمصالحها وصراعاتها حول المناصب ونهب الثروات ويقودها حفنة من الأميين (هل رأيتم كيف وصف وكيل وزارة التربية المدرسين كلهم بانهم مجموعة حمير؟)، تواجه المرأة يوميات الاحتلال، والأجهزة الأمنية التي دربها هذا الإحتلال لثمانية أعوام في العراق، وضعف ذلك في فلسطين، المستهدفة لكرامتها، غالبا، من خلال اهانة زوجها وابنها ووالدها، اعتقالا وتعذيبا واغتصابا.
لقد ابدت بعض المنظمات النسوية الغربية اهتماما، في الآونة الاخيرة، بنضال المرأة السياسي التحرري بعيدا عن حلقة المطالب المقتصرة على 'العنف الجنسي' و'مساواة الجندر'، وجاء الاهتمام كنتيجة للتغطية الاعلامية الملحوظة لمشاركة المرأة في مصر وتونس، في تظاهرات التغيير والاصلاح، وليس لانها تشارك للمرة الاولى. من هذا المنطلق، طرح على عدد من النسويات الناشطات في امريكا وبريطانيا اسئلة على غرار : لماذا تشارك المرأة العراقية في التظاهرات مخاطرة بحياتها؟ وهل ستواصل التظاهر بعد ' جمعة الغضب'، اليوم الذي استشهد فيه 29 متظاهرا واعتقل فيه 400 مواطن بتهم أختلقها النظام لحماية نفسه. وكان رد فعل الحكومة ' الديمقراطية' نسخة مكررة لاي نظام قمعي فاشي؟ فكما اتهم مبارك وبن علي المتظاهرين بان هناك يدا اجنبية تحركهم، وكما يتهم القذافي ابناء الشعب الليبي الثائر بان القاعدة والمخدرات تدفعهم، ها هو المالكي، ابن الاحتلال الانجلو امريكي، يتهم المتظاهرين قبل تظاهرهم بأنهم يعملون على 'عودة البعث وحقبته الفاسدة' مع أجسام وعناصر مشبوهة، مفترضا بانه عاد وحزبه الى العراق مع أجسام وعناصر نقية!
للجواب على أسئلة المنظمات النسوية، علينا منعا للالتباس الذي طالما تقع فيه حتى المنظمات النسوية العراقية والعربية، عموما، تقييم مطالب المرأة من موقعين. الأول مبعثه كونها مواطنة والثاني كونها أمرأة لها خصوصيتها الجسدية وما يترتب على ذلك من دور اجتماعي وتحقيق للذات. فما هي مطالبها كمواطنة؟
ان مراجعة سريعة لشعارات التظاهرات المنطلقة منذ اسابيع في شوارع وساحات معظم المدن العراقية، بالاضافة الى الرسائل الالكترونية والرسائل المتبادلة على الفيسبوك ( للشابات نشاطهن الملحوظ على الفيسبوك والمدونات كذلك)، تبين لنا ان بالامكان تلخيص مطالب المرأة، عموما، بما يلي مع بعض الاختلاف في ترتيب الاولويات: انهاء الاحتلال بكافة اشكاله. توفير الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء والتخلص من النفايات وتصليح المجاري (اقترحت احدى الامهات تشكيل حزب اسمه الكهرباء الديمقراطي الاسلامي عسى ولعل ان تنظر امريكا بعين العطف على الكهرباء). التعليم والرعاية الصحية لها ولأطفالها. الأمان والعمل. إطلاق سراح المعتقلين. احترام حقوق الإنسان ووضع حد لسياسة الحكومات المتعاقبة في التعذيب والأغتصاب. إلغاء عقوبة الإعدام. حق العودة للاجئين وتوفير المنازل للنازحين قسريا. حرية التنقل. إزالة نقاط التفتيش وجدران العزل الاسمنتية. توفير الرعاية الاجتماعية للأرامل واليتامى والمعوقين والمتقاعدين والمسنين. وضع حد للفساد السياسي والمالي على حد سواءـ ومقاضاة المسؤولين عن الاختلاسات والسرقات العامة. ان النفط ملك لأبناء الشعب ولا تعود ملكيته لأي مسؤول أو زعيم او قائد سواء كان دكتاتورا او منتخبا.
يتبين من مطالب المرأة كمواطنة، ان تحقيق هذه المطالب سيؤدي بالضرورة وبمرور الوقت الى تحقيق نسبة عالية من المساواة والرفاه والاستقلال الاقتصادي والسياسي. وما يتبقى هو مطالبها المهمة ذات العلاقة بجنسها والمؤدية بالنتيجة الى تحقيق ذاتها. من بين هذه المطالب: الرعاية الصحية والنفسية اثناء الحمل وبعد الولادة. إعادة العمل بقوانين العمل الملزمة بساعات العمل وتكافؤ الفرص واجازات الولادة ومراجعة هذه القوانين لتحسينها. ان ما يصطلح عليه بـ'القتل غسلا للعار' هو جريمة قتل، مثل كل جرائم القتل الاخرى، ويجب أن يعاقب مرتكبها على هذا النحو. المساواة بين الجنسين فيما يخص حرية السفر. ولعل ما يتوجب علينا تذكره، في مسيرة المرأة العراقية نحو التحرير، انها بمشاركتها في التظاهرات السلمية، في التحشيد الجماهيري عبر الفيسبوك واعداد الشعارات وكتابة اللافتات والسير الى اماكن التجمع والاعتصام امام الوزارات ومجالس البلديات، انما تكمل ما بدأته مع شقيقها الرجل في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، منذ ايام الغزو الاولى، والتي أدت الى فشل المشروع الامريكي في ان ينعم بالهيمنة الكلية على العراق ومن ثم التقدم الى بلدان ' محور الشر' لدحرها. انها لم تتقاعس يوما بالتضحية بكل غال ورخيص دفاعا عن وطنها وهويتها. وان المشاركة الحالية في المقاومة السلمية هي جزء لايتجزأ من فعل المقاومة، بمستوياتها المتعددة، حتى التحرير.
كما تأتي التظاهرات العراقية الشاملة، على اختلاف مطالب المتظاهرين، كمحاولة لاستعادة العلاقة العضوية الطبيعية مع بقية ابناء الشعب العربي، في اطار اتساع مفهوم الثورة وما سيفرزه من تغيرات تدريجية. وهي العلاقة التي حاولت سلطة الاحتلال وحكوماته المتعاقبة بترها استنادا الى خصوصية ما مر به الشعب العراقي سابقا وخصوصية 'ديمقراطية' نظامه حاليا (النظام العراقي متميز حقا عن بقية الانظمة في الشرق الاوسط كونه يجمع ما بين فتح باب الوطن للغزاة المغتصبين وادائه دور الشرطي لصالحهم).
ان استمرار التظاهرات السلمية هو، بحد ذاته، يوم للمرأة، للأم، للاخت، للزوجة ولابنائها واحفادها. عيد لثورة الكرامة وتكسير جدران الغيتوات التي تحاول الانظمة العربية الاستبدادية، حصر شعوبها فيها. يوم، على الرغم من ثقل احزانه وضحاياه، سيظهر المرأة العراقية قوية بكرامتها وعزة نفسها. مؤكدة وجودها في قلب الثورة، راعية في حراكها وديمومة نضالها اليومي قيما متجددة هي قيم المقاومة وصمودها. الشعب وكما كتبت الشابة نور علي على الفيسبوك 'للعراق الماضي باتجاه شمس وسماء نصب الحرية'. مع الانتباه الى ما تروجه حكومة المالكي، طمسا وتشويها لوعي الناس، واختزالا لقيمة وجودهم من خلال تدوير اسطوانة اعلامية تشويهية جديدة عن اقتصار التظاهرات على استجداء الخدمات وزيادة الاجور وبالتالي فان مدة مائة يوم كفيلة بتحويل الجحيم الى فردوس!
' كاتبة من العراق
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire