موجة من التساؤلات والأطروحات بدأت تثار خلال الآونة الأخيرة في العديد من وسائل الإعلام حول حقيقة الدور الذي لعبته مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفايسبوك في الثورات والإنتفاضات الشعبية التي شهدتها مؤخراً تونس ومصر، والآن ليبيا.
في هذا السياق رأت صحيفة "الغارديان" البريطانية اليوم، أن الصورة المميزة لتلك الانتفاضات التي شهدتها منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط لم تكن الاحتفالات التي رافقت الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك أو المعارك التي شهدها ميدان التحرير في القاهرة، أو حتى تضحية الشاب التونسي محمد بوعزيزي بنفسه في مدينة سيدي بوزيد، بل تمثلت في هذا الجيل من الشباب الذي يستعين بالهواتف الذكية.
وأوضحت الصحيفة أن هذا الاستخدام كان يلعب دوراً محورياً في تلك التظاهرات في كل من تونس ومصر وحتى مؤخراً في ليبيا، حيث كان الناشطون يستعينون هنا وهناك بتلك الهواتف في تسجيل التظاهرات ولحظات إصابة المحتجين من قبل أنصار النظام في أي من تلك الدول. ومن ثم تطرح تلك الصور على شبكة الإنترنت عبر مواقع التواصل الاجتماعي. واللافت، بحسب الغارديان، هو أن تلك الصور ليست مجرد صور عادية، بل كانت بمثابة الأداة التي تنقل ما يدور في قلب الحدث.
وفي الوقت الذي حاول فيه المعلقون أن يتخيلوا طبيعة تلك الإنتفاضات، بالقول مثلاً إنها تمثل النسخة العربية من الثورات التي شهدتها منطقة أوروبا الشرقية عام 1989 أو أنها ثمة شيء قريب من الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه عام 1979، إلا أنهم حاولوا في معظم الأحيان أن يصوروها من خلال وسائل الإعلام التي نقلتها وقامت بتغطيتها كنتيجة لويكيليكس، وكثورات تويتر أو أن فايسبوك كان مصدر إلهامها.
وقد بدأت تحدث حالة من الإنقسام في الآراء بين مختلف المحللين والمتابعين، فيما يتعلق بالدور الذي ربما لعبته شبكات التواصل الإجتماعي في تلك الانتفاضات التي شهدتها بعض دول المنطقة خلال الآونة الأخيرة، خصوصاً أن ثورات عديدة قد وقعت قبل ظهور تلك المواقع الإلكترونية وخروجها للنور. وهو ما جعل الصحيفة تؤكد أن الأداة التي يتم من خلالها نقل الرسالة تُحَدَّد وتُعَرَّف تماماً مثل الرسالة نفسها.
وتابعت الصحيفة بالإشارة غلى أن الطبيعة الفورية للطريقة التي تربط من خلالها وسائل الإعلام الاجتماعية الأفكار التي يتم بثها ذاتياً، وعدم التزامها بمواقيت زمنية محددة فيما يتعلق بالنشر وبث الأخبار، تُفسِّر جزئياً السر وراء السرعة التي تحققت من خلالها تلك الثورات، وكذلك السرعة التي انتشرت عبرها إلى باقي أنحاء المنطقة. ورأت الصحيفة أن هذا يوضح التنظيم الفضفاض وغير الهرمي للحركات الإحتجاجية التي تشكلت وصيغت دون وعي على شبكات الإنترنت المختلفة.
ثم انتقلت الصحيفة لتؤكد أن مساهمة الشبكات الاجتماعية في الانتفاضات العربية كما كانت مهمة مثلما كانت معقدة ومتناقضة ومحل سوء فهم أيضاً. وأشارت إلى أن أهمية وتأثير الإعلام الاجتماعي على كل من حركات التمرد التي وقعت منذ بداية العام الحالي جرى تعريفها بعوامل محلية محددة. وتم تشكيل دورها أيضاً عبر حُسن تنظيم الجماعات التي تستخدم وسائل الاتصال الاجتماعي.
وأوردت الصحيفة في هذا الشأن عن شخص يدعى طارق مكي، وهو رجل أعمال تونسي كان يعيش في المنفى وسياسي وناشط إنترنت، وقد عاد إلى بلاده في أعقاب اندلاع ثورة الياسمين التي شهدتها تونس مؤخراً، قوله: "إنه لأمر رائع أن نشارك عبر الإنترنت في طرد الرئيس زين العابدين بن علي. عبر تحميل المقاطع المصورة. وما فعلناه على الإنترنت كان يحظى بالمصداقية ولهذا السبب نجح".
وقال خالد قوبعة رئيس جمعية الانترنت في تونس :" كانوا يحاولون إغلاق فايسبوك في الربع الأول من عام 2009، لكن الأمر كان بالغ الصعوبة. لذا كان يستخدمه كثير من الأشخاص بحيث بدا أن النظام يتراجع، لأنهم اعتقدوا أن حظره ربما يتسبب بالفعل في حدوث مزيد من المشكلات عن تركه متاحاً أمام المستخدمين".
وبغض النظر عن الادعاءات التي تحدثت عن أن الثورة التي شهدتها تونس كان مصدر إلهامها موقع تويتر أو ويكيليكس، رأت الصحيفة أن كلتا الوسيلتين لم تلعبا جزءاً كبيراً فيما حدث. وعللت ذلك بأنه لم يكن هناك قبل حدوث الثورة سوى ما يقرب من 200 مستخدم نشط على تويتر من أصل 2000 لديهم حسابات مسجلة على الموقع. ونقلت كذلك عن قوبعة قوله إن صفحات ويكيليكس التي كانت تتحدث عن الفساد التونسي سرعان من تم إغلاقها وحجبها بمجرد أن ظهرت على الإنترنت.
ومع هذا، أشار قوبعة إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي خلال المرحلة الديكتاتورية التي كان يترأسها بن علي كانت متواجدة على مستويين. حيث كان يتواصل بضعة آلاف من المهووسين مثله عبر تويتر، بينما كان يتحدث ربما اثنا مليون شخص عن طريق فايسبوك. وقد شكَّل نشاط المجموعة الأولى نشاط المجموعة الثانية.
وتابع قوبعة حديثه بالقول: "لقد حظيت وسائل الإعلام الإجتماعية بأهمية قصوى. فقبل ثلاثة أشهر من إضرام محمد بوعزيزي النار في نفسه في سيدي بوزيد، كان لدينا حالة مماثلة في المنستير. لكن لم يعلم بشأنها أحد لأنها لم تُصَوَّر. لكن ما جعل الأمر مختلفاً هذه المرة هو أن صور بوعزيزي قد وُضِعَت على فايسبوك والجميع رآها".
أما عن الوضع في مصر، فقد أكدت الصحيفة أن بيئة وسائل الإعلام الاجتماعية الواسعة والأكثر نضجاً في البلاد قد لعبت دوراً محورياً في تنظيم الانتفاضة ضد نظام الرئيس السابق، حسني مبارك، التي أصدرت حكومته تعليمات لشركات الهواتف النقالة بأن تبعث برسائل نصية تحشد فيها مؤيديه – وهي نفس الحيلة التي تم تكرارها الأسبوع الماضي من جانب الزعيم الليبي معمر القذافي. كما كان يتم الترويج لتفاصيل التظاهرات على كل من موقعي فايسبوك وتويتر، وكان يوزع دليل مكون من 12 صفحة للناشطين خاص بمواجهة النظام عن طريق البريد الإلكتروني.
وبعد اتخاذ السلطات قراراً بقطع خدمة الاتصالات عن المتظاهرين، بدأ يتواصل المحتجون عن طريق وسائل بديلة لتوتير، أشهرها تلك اللافتات التي كانت تُرفع عالياً بالأيدي لإخبار المتظاهرين بتوقيت وأماكن التجمعات في اليوم التالي.
ونقلت الصحيفة هنا عن سلطان القاسمي، وهو كاتب عمود في الإمارات قوله: "من المؤكد أن وسائل الإعلام الاجتماعي لعبت دوراً في ثورات الربيع العربية، لكن غالباً ما كان يجري تضخيم تأثيرها على الصعيد الداخلي. وقد انفصلت مصر عن العالم الخارجي لبضعة أيام، لكن الإنتفاضة الشعبية لم تتوقف مطلقاً. ونرى اليوم ليبيا تواجه انقطاعاً أكثر حدة في خدمة الإنترنت، لكننا لا نزال نرى أن الحركة الاحتجاجية هناك تحتفظ بزخمها وقوتها. وعندما ينجح المدونون والناشطون في نقل ما يحدث داخل بلدانهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى العالم الخارجي، حينها فقط يمكن لما يمررونه من معلومات أن يلعب دوراً بارزاً في جذب اهتمام المواطنين حول العالم الذين عبروا عن تضامنهم مع هؤلاء الأشخاص المقموعين وربما يضغطون كذلك على حكوماتهم لكي يكون لها موقف. في حين يهتم مستخدمون آخرون لمواقع التواصل الاجتماعي بنشر ونقل معلومات خاصة بالاحتياجات الطبية، وأرقام الهواتف الضرورية، والترددات الخاصة بفضائية الجزيرة على مختلف الأقمار الاصطناعية، بسبب تعرضها الدائم للتشويش".
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire