بغداد- يوصف عام 2010 بامتياز في العراق بأنه عام الأزمة السياسية، وليس ذلك لما أثارته من جدل كان الشغل الشاغل للعراقيين طيلة معظم
أشهر السنة وإنما أيضا لأنها شكلت سابقة أدخلت العراق في تشرين أول/ أكتوبر موسوعة غينيس للأرقام القياسية لفشله في تشكيل حكومة لأطول فترة تستغرقها أي عملية سياسية في تاريخ العالم الحديث.
ورغم الجدل السياسي، آثر آخرون الاحتفاظ بربط كل أعوام العراق الأخيرة بمشاهد الدم، وإن كان لما تعرض له المسيحيون الأثر الأسوأ هذا العام.
ولم يسبق أن شهد العراق أزمة سياسية مثلما جرى بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية أواخر آذار/ مارس الماضي، وأظهرت نتائجها تقاربا بين الفائزين. فقد حصلت (القائمة العراقية) بزعامة رئيس الوزراء السابق إياد علاوي على 91 مقعدا وحصلت (دولة القانون) بزعامة رئيس الوزراء المكلف نوري المالكي على 89 مقعدا. وذهب 70 مقعدا للائتلاف الوطني العراقي بزعامة عمار الحكيم و57 مقعدا للتحالف الكردستاني.
وتسببت النتائج في أزمة سياسية خانقة، زاد من وطأتها إعلان المحكمة الاتحادية العراقية العليا اعتبار الكتلة الأكبر، التي يمنحها الدستور العراقي الحق في تشكيل الحكومة، هي الكتلة التي تتشكل داخل البرلمان وليست تلك الفائزة بالانتخابات. وهو ما يعني أن علاوي ليس من حقه تشكيل الحكومة بعدما نجح المالكي في استمالة قائمة الائتلاف الوطني العراقي ومن ثم تشكيل كتلة تضم 159 عضوا.
وتقول النائب عالية نصيف عضو القائمة العراقية لوكالة الأنباء الألمانية: "شهد العراق منذ مطلع العام الحالي أزمة سياسية بعدما جاءت نتائج الانتخابات متقاربة، فضلا عن أن المحكمة الاتحادية أصدرت فتوى بشأن الكتلة الأكبر في البرلمان رافقتها شكوك في نتائج الانتخابات، وهو ما تسبب في إعادة العد والفرز يدويا.. وكل هذا فتح الأبواب لاتساع الأزمة".
ورأت نصيف أن "مخلفات السنوات الأربع الماضية من إدارة المالكي للبلاد ألقت بظلالها على الواقع السياسي بعد الانتخابات" ، معربة عن أملها ألا يتم ترحيل الأزمات السياسية إلى العام المقبل.
وبعد مفاوضات شاقة ومبادرات من كل حدب وصوب، اتفق على انتخاب أسامة النجيفي رئيسا للبرلمان وجلال طالباني رئيسا للجمهورية وتكليف المالكي بتشكيل الحكومة العراقية في غضون 30 يوما تنتهي في الخامس والعشرين من كانون أول/ ديسمبر الجاري، مع إسناد منصب رئيس المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية لعلاوي، في إطار صفقة سياسية جاءت بمبادرة من رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني.
وأعطى البرلمان العراقي بعد مخاض عسير الثقة للحكومة العراقية الجديدة برئاسة نوري المالكي في الحادي والعشرين من الشهر الجاري والتي تضم 42 حقيبة وزارية اضافة إلى 3 نواب لرئيس الحكومة وأدت اليمين القانونية لتكون بذلك أكبر تشكيلة وزارية في مرحلة مابعد الاطاحة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين على خلفية الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
وينتظر الحكومة العراقية استحقاقات كبيرة خلال العام المقبل أبرزها استضافة العراق للقمة العربية في الربع الأول من عام 2011 وطرح مليارات الدولارات للاستثمار أمام الشركات الأجنبية لإعادة بناء البنى التحتية للاقتصاد العراقي إضافة إلى تتويج الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة بالانسحاب الكامل من العراق نهاية العام المقبل كما اعطى قرار مجلس الامن الدولي الذي صدر خلال الشهر الجاري بألغاء عدد من القرارات الدولية التي صدرت ضد العراق عام 1990 على خلفية غزو العراق للكويت دفعا جديدا لهذا البلد للخروج من طائلة البند السابع من ميثاق الامم المتحدة.
ورأت نصيف أن "القوات الأمنية والعسكرية لا تزال غير مؤهلة وبحاجة إلى المزيد من التدريب والتسليح لأننا أمام استحقاق في إطار الاتفاقية الأمنية الموقعة بين العراق والولايات المتحدة بحيث يكون نهاية العام المقبل هو الموعد لانسحاب آخر جندي قتالي: وهذا الأمر بحاجة إلى استعدادات لمواكبة الحدث".
وأوضحت "نخشى أن نفاجأ بتأجيل الانسحاب تحت ذريعة الجاهزية"، مشيرة إلى أن الجميع يأمل أن يكون العام المقبل أكثر استقرارا أمنيا وسياسيا من أجل ان تبدأ عجلة البناء بالدوران ومعالجة الكثير من المشاكل التي تواجه المواطنين.
ورغم أن الأزمة السياسية تصدرت المشهد العراقي إلا أن الوضع الأمني الهش حافظ على مكانته كمصدر قلق رئيسي للعراقيين. وفي الوقت الذي استمرت فيه أعمال العنف بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والاغتيالات العشوائية والاختطافات الفردية والجماعية وتفجير المنازل واستهداف أفواج الزوار الإيرانيين وأسفرت عن مقتل وجرح المئات ، إلا أن ما تعرضت له كنيسة سيدة النجاة في بغداد ومقتل أكثر من 60 شخصا بينهم نساء وأطفال وجرح أكثر من مئة كان له وقعه المختلف خاصة في ظل ربط منفذي الهجوم بينه وبين ما يحدث للمسيحيين في مصر مثلا.
وقالت باسكال وردة وهي وزيرة مسيحية سابقة ورئيسة جمعية عشتار لحقوق الإنسان لـ(د.ب.أ):"حادثة كنيسة النجاة مأساة مسيحية كبيرة فتحت الأبواب من جديد أمام المسيحيين للهجرة سواء خارج العراق أو الهجرة إلى مناطق آمنة في إقليم كردستان العراق".
وأضافت:"علينا الاعتراف بأن أحداث سيدة النجاة والاغتيالات المتواصلة للمسيحيين في العراق وخاصة مدينة الموصل هي جرس إنذار خطير وعلى القيادات المسيحية العمل سويا من أجل الدفاع عن حقوق المسيحيين وليس فسح المجال أمامهم للفرار والهجرة لأن هذا هو ليس الحل الأمثل".
وشددت على الحاجة إلى "وحدة القرار والنشاط السياسي بين رجال الدين والسياسة والاتفاق على نقل مطالبنا إلى الجهات الدولية والداخلية والاستفادة من الدعم الدولي من أجل إيجاد حل لمشكلة استهداف المسيحيين لان الوضع لم يعد يطاق خاصة وأن أعداد المسيحيين في العراق بدأ بالتناقص جراء استمرار الهجرة وتصفيتهم من قبل المسلحين".
ومثلها مثل جميع العراقيين تأمل الوزيرة السابقة أن يكون العام الجديد هو عام الاستقرار الأمني والسياسي الذي يحلم به العراق.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire