مدينة مغربية اختارها «لوميير».. وشعبها امتهن «الكومبارس»
«ورزازات» أو «هوليوود أفريقيا» كما يسميها المخرجون العالميون، مدينة صغيرة تجذب بطبيعتها ومناظرها المميزة السياح من كل بقاع العالم، فهي تتميز بطقسها الجميل المشمس، وبعنصر الإنارة الطبيعية، التي يبحث عنها كل مخرج، حيث تتوفر على مساحات شاسعة من الصحراء والسهول والمغارات والأودية والبحيرات والنخيل والواحات والقصبات والقصور، وتقع على بعد نحو 200 كيلومتر من مدينة مراكش ويربو عدد سكانها على 50 ألف نسمة، بالإضافة إلى التنوع العرقي، إذ إن سكانها مزيج من الأمازيغ والعرب والأفارقة واليهود.
وشهدت «هوليوود أفريقيا» خلال السنوات الماضية الكثير من صناعة الأفلام، فقد أصبحت السينما تشكل حاليا النشاط الاقتصادي الأهم في المنطقة أكثر من السياحة والفلاحة والصناعة التقليدية، وأهمية التصوير السينمائي تؤثر على الكثير من الأنشطة المرتبطة بصفة مباشرة أو غير مباشرة بهذا القطاع الذي يخلق وظائف مباشرة وغير مباشرة.
وقد استقطبت ورزازات قبل نحو قرن من الزمان تصوير أول فيلم سينمائي في المغرب بعنوان «راعي الماعز المغربي» الذي أنتجه مؤسس الفن السينمائي الفرنسي لويس لوميير، وتوالت بعد ذلك الأفلام الدولية التي اختار منتجوها أرض المغرب مكانا للتصوير، فقد احتضنت ورزازات أفلاما فرنسية وأميركية وإسبانية وإيطالية وهولندية وسويدية وبلجيكية، وكذلك احتضنت أفلاما من كوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا وكوبا والبرازيل.
فمن أبرز الأعمال السينمائية الذي تم تنفيذها في ورزازات، فيلم «الدم» للمخرج لويتز مورا، و«إن شاء الله» للمخرج فرانز توسان 1922، وفيلم «عندما تعود السنونو إلى أعشاشها» للألماني جيمس بوير 1927، وفيلم « قلوب محترقة» للأميركي جوزيف فون ستيرنبيرغ 1930، وفيلم «علي بابا» للفرنسي جاك بيكر1954، وفيلم «لورانس العرب» إخراج البريطاني ديفيد لين، بطولة أنتوني كوين وعمر الشريف 1966، وفيلم «المومياء» إخراج ستيفن سوميرز 1990، وفيلم «مملكة الجنة» لريدلي سكوت 2005.
عرفت المدينة الصغيرة استقطاب نخبة من ألمع النجوم والمخرجين العالميين، مثل سيرج ريجياني، وفيرنانديل، إلى ألفريد هيتشكوك، وسيرجيو ليوني، وديفيد لين، وأنتوني كوين، وعمر الشريف، وأنا كارينا، وأنتونيو فيلار، وجان لوك غودار، وبيرناردو بيرتولوتشي، وجان بول بلموندو، ولينو فونتيرا، وجون هوستون، وشين كونري، وداستن هوفمان، وإيزابيل أدجاني، وروجي مور، ومايكل دوغلاس، وتيموثي دالتون، ومارتن سكورسيزي، وجاكي شان، وريدلي سكوت، وجان كلود فان دام.. فقد أصبح المغرب اليوم يحتل المرتبة الثانية في العالم بعد جمهورية التشيك فيما يتعلق بإنتاج الأفلام الأجنبية، حيث تجني المملكة من هذا الانفتاح نحو 60 مليون دولار في السنة.
كما تعرف المدينة 3 استوديوهات منها استوديو أطلس، الذي تم تأسيسه عام 1993 الذي سرعان ما تم توسيعه والذي أصبح يغطي اليوم 30 هكتارا، وهو مفتوح على فضاء شاسع يشمل مناظر جبلية ساحرة، كما تم تشييد استوديوهات «كان زمان» على مساحة 60 هكتارا، على بعد 10 كيلومترات من مدينة ورزازات، وأخيرا استوديو أستر تم بناؤه عام 1992 لاحتضان أنشطة الصناعة التقليدية.
ومن المفارقات العجيبة التي تعيشها هذه المدينة هي أنه مع كل هذا المجد السينمائي الذي تعرفه ورغم احتضانها لألمع النجوم والمخرجين العالمين، فإنها لا تتوفر لديها قاعة سينمائية واحدة.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» مع أحد سكان المدينة، قال جليل مصطفى إنه لا شك أن مدينة ورزازات ورغم كونها قد حازت وبجدارة لقب «هوليوود أفريقيا» فإن أهلها لا يستفيدون من هذه الصناعة السينمائية الهائلة إلا القليل، فبعضهم يعمل «كومبارس» والذي يتراوح عددهم أكثر من 16 ألف مغربي، وبعض أصحاب المشاريع الأخرى المرتبطة بقطاع السياحة، مثل السينما، يمرون بفصول من «القحط» من حيث الرواج الاقتصادي المرتبط بالقطاعين الآنفين.
وتعتبر الأفلام بالنسبة لأغلب الناس في أنحاء العالم مصدرا للمتعة أو النشاط الاجتماعي والثقافي، لكنها في ورزازات مصدرا لكسب لقمة العيش الذي لا يكاد يغطي في معظم الحالات الاحتياجات الضرورية للكومبارس وأسرهم، كما أنه يفتقر للتغطية الصحية والتأمين، فرغم أن الشركات الأجنبية تعطي مبالغ باهظة لتصوير أعمالها في المدينة فإن الكومبارس لا ينال منها سوى القليل وذلك بعدما يقتطع السماسرة نصيبا منها، حيث ينال الكومبارس مبلغ 200 درهم.
ورغم كون ورزازات قد عرفت تطورا جعلها توصف في المغرب بكونها مدينة الهدوء كما يدل على ذلك اسمها (ورزازات كلمة أمازيغية تعني من دون ضجيج) فإنها لا تزال بحاجة إلى فك العزلة الجغرافية المضروبة حولها بسبب وعورة الطريق الذي يربطها بمدينة مراكش، وكذا أغادير، أقرب قطبين اقتصاديين إلى هذه المدينة، فالمواطن الورزازي البسيط يعيش طوال العام في حالة من البطالة والتهميش يتحين فرصة حلول شركات إنتاج سينمائية عالمية «ليرتزق معها».
ومع رحيل تلك الشركات، فإن جل العاملين «كومبارس» اضطروا للعودة إلى المهن البسيطة والهامشية، كبيع بعض الحلي والخناجر التقليدية للسياح أو الفلاحة وغيرها.. وخلال السنين الأخيرة أولى الملك محمد السادس أهمية كبيرة لورزازت حيث زارها بشكل مستمر وأطلق مشاريع ضخمة بها لعل آخرها وأكبرها مشروع إنتاج الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، إضافة إلى بناء كلية متعددة التخصصات وغيرها من المشاريع التي ستجعل المواطن الورزازي يستفيد من كرامة العيش، وحتى المجال السينمائي هناك مساع لتطويره وجعله يخرج من صورته التقليدية وذلك بإنشاء مراكز في التكوين السينمائي.
وتعتبر السياحة في ورزازات الركيزة الأساسية للاقتصاد المحلي، فقد عرفت مؤخرا نقصا في توافد السياح في سنة 2010 بنسبة لا تتعدى 20%، على عكس المناطق السياحية الأخرى في المغرب التي سجلت ارتفاعا نوعيا على مستوى توافد السياح، حيث تعرف مشكلات راجعة للأزمة الاقتصادية العالمية ولعزلتها وعدم توفر الرحلات المباشرة والطرق الملائمة لها.
وفي هذا السياق، أفاد سعيد المراني رئيس المجلس الإقليمي للسياحة لـ«الشرق الأوسط» بأنه لا شك في أن السياحة من أهم الركائز الاقتصادية للمدينة، نظرا لما تمتاز به من مؤهلات طبيعية بالدرجة الأولى، لكن ورزازات تعرف رواجا سياحيا ملحوظا عند حلول الشركات الإنتاجية العالمية للسينما، فلهذا نعمل على دراسة برامج طموحة للتسويق السياحي في ورزازات من طرف المكتب الوطني للسياحة من أجل دعم القطاع السياحي في المنطقة ودعم المنتوج السياحي وجعلها وجهة سياحية وإقامة بامتياز في 2020.
كما عرفت ليالي المبيت المسجلة في مختلف الفنادق والإقامات والقرى السياحية ودور الضيافة المصنفة في إقليم ورزازات تراجعا خلال سنة 2010 بمعدل 6%، إذ بلغ مجموع المبيتات 420 ألفا و577 ليلة، مقابل 446 ألفا و289 ليلة سنة 2009، ويعزى هذا الانخفاض في المبيتات إلى التراجع المسجل على مستوى عدد الليالي التي قضاها السياح غير المقيمين في المغرب من جنسيات مختلفة، والتي بلغ مجموعها 356 ألفا و833 ليلة، مقابل 391 ألفا و800 ليلة سنة 2009، أي بانخفاض نسبته 6%.