القدس المحتلة / سما / بيّن تقرير الرصد السياسي لمركز مدى الكرمل أن الحاخامات اليهود الذين افتوا بمنع اسكان العرب لا يغردون خارج السرب وأن العنصرية والعداء للفلسطينيين والعرب يعبران عن فكر ونهج راسخين في النظام والمجتمع الإسرائيليين
وأثارت الفتاوى الدينية للحاخامات اليهود، والتي تحرم بيع أو تأجير بيوت للعرب، ضجة إعلامية كبيرة في الأسابيع الأخيرة. وقد تعاملت معها الصحافة الإسرائيلية وكأن الحاخامات يغردون خارج السرب. بينما في واقع الأمر تعكس تلك الفتاوى مواقف المجتمع الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين بشكل دقيق. هذا ما يتضح من تقرير الرصد السياسي الحادي عشر الصادر عن مركز مدى الكرمل. اذ توفر تقارير الرصد السياسي نظرة شمولية حول تفاصيل ما يحدث داخل المجتمع الإسرائيلي، وتوضح خطورة التحولات والسير قدما نحو نظام فاشي. الوقائع الواردة في تقارير الرصد السياسي المتعاقبة توضح هذا الادعاء من خلال متابعة دقيقة للسياسات الإسرائيلية، عملية التشريع والعنصرية اليومية. وقد بينت جميع هذه التقارير أن العنصرية والعداء للفلسطينيين والعرب هما تعبير عن فكر ونهج راسخين في النظام والمجتمع الإسرائيليين.
والتقرير الحالي، والذي يوثق لشهري أيلول وتشرين الأول من هذا العام، يحذر من تسارع انحدار النظام والمجتمع الإسرائيليين نحو الفاشية. ويشير التقرير إلى وجود أغلبية راسخة ومضمونة في الكنيست للمصادقة على كل اقتراح قانون يهدف إلى تقييد الحقوق السياسية عامة وللفلسطينيين خاصة. كما يحذر التقرير من تحول المجتمع الإسرائيلي إلى مجتمع مغلق يفتقر إلى التسامح مع الخطاب الديمقراطي وخطاب الحقوق، ويقمع أي نشاط أو خطوة تتضمن انتقادا أو معارضة للسياسات الحكومية تجاه الفلسطينيين، في إسرائيل أو في المناطق الفلسطينية المحتلة، مثلما يتضح من خلال مشروع قانون "واجب الكشف عمّن يتلقّى دعمًا من كيان سياسيّ أجنبيّ"، الذي يفرض على مؤسسات المجتمع المدني تقديم كشف لمسجل الجمعيات عن كل دعم مالي من أي كيان سياسي أجنبي. وقد صادقت الكنيست على هذا الاقتراح في القراءة الأولى في شهر تشرين الأول. وسوف يضيف اقتراح القانون، في حال تمت المصادقة النهائية عليه، عراقيل وصعوبات إضافية أمام عمل الجمعيات، خاصة الجمعيات العربية وجمعيات حقوق الإنسان.
كذلك تتصاعد محاولات الحكومة لفرض الولاء لدولة إسرائيل كدولة "يهودية وديمقراطية"، من خلال قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بدعم توصيات لجنة لبيد لتعديل قانون المواطنة، واشتراط منح المواطنة بالولاء للدولة اليهودية. يشكل هذا التعديل خطوة إضافية للمسّ بالمواطنين العرب وبمكانة الفلسطينيّين في إسرائيل. وقد اعتبر بعض الأكاديميين الإسرائيليين الاقتراح مؤشراً لـ "تغلغل الفاشيّة إلى مؤسّسات الحكم في الدولة".
ولا تقتصر جهود الدولة على فرض وترسيخ طابعها اليهودي على السلطة التشريعية، بل تلقى مساندة من السلطة التنفيذية، خاصة من وزارة التربية والتعليم. مع افتتاح السنة الدراسيّة الحاليّة، قامت وزارة التربية والتعليم بتقليص جزء كبير من ميزانيّة تعليم "المدنيّات"، وتخصيص الجزء الذي قُلّص لتعليم مواضيع اليهوديّة.
ويستعرض التقرير نماذج تعكس تجلي الكراهية والعنصرية على أرض الواقع، بواسطة أفعال، وتصريحات، ومواقف المجتمع الإسرائيلي. ففي تشرين الأوّل قام ناشطو تنظيم "زو أرتسينو" وأعضاء تنظيم "كاهانا حيّ" بالتظاهر أمام مكاتب الحركة الإسلاميّة في أمّ الفحم، يرافقهم نحو 1,300 شرطيّ، بهدف توضيح "من هو صاحب البيت في الدولة" ولمن حقّ التظاهر في كلّ مكان وتحت اي شعار يريد، كما صرح منظمو التظاهرة.
وتظهر تقارير الرصد السياسي ان مظاهر العنصرية ، الكراهية والتنكيل بالمواطنين الفلسطينيين لا تقتصر على الفئات المتطرفة في المجتمع الإسرائيلي أو الهامشية، بل تطال كافة الشرائح وكافة المؤسسات. يوثق التقرير الحالي للعديد من الأمثلة التي تعكس هذا النهج، منها، على سبيل المثال، منع المواطن العربي وسام سعدي، من الصعود إلى طائرة "اركياع" في طريق عودته من زيارة لأقاربه في الدنمارك وفنلندا؛ كذلك الأمر ما حدث في بلدة عومر في النقب، حيث طردت المدرسة الثانوية طالبتين عربيتين بعد بدء السنة التعليمية، ودفع رسوم التسجيل والمشاركة في أيام دراسية مع المعلمين والطلاب.
إضافة إلى محاولات نائب رئيس بلديّة كرميئيل، أورن ميلشطاين، منع المواطنين العرب من السكن بمدينة كرميئيل؛ اذ نشر في منتصف تشرين الأوّل، أن نائب رئيس بلديّة كرميئيل، أقام "حرس البلدة"، بهدف منع دخول العرب إلى كرميئيل عند ساعات المساء. وفي مقابلة مع ميلشطاين في الصحيفة اليمينية "بشيباع"، قال: "كرميئيل بلدة يهوديّة، أُسّست من أجل تهويد الجليل. وفي نظري ليس من الجيّد أن تأتي عائلات عربيّة للسكن هنا". وفي نفس السياق نظّم رابي صفد شموئيل إلياهو اجتماعًا في هيكل الثقافة في صفد، بمشاركة نحو 400 شخص، بهدف منع تأجير شقق للطلاب العرب الذين يدرسون في كلية صفد.
وتعكس نتائج استطلاعات الرأي المتعاقبة مدى تجذر العنصرية وانتشارها في المجتمع الإسرائيلي. ففي استطلاع للرأي أجري مؤخراً بين الشبيبة اليهود أيد 59% من المستطلعين التمييز ضد المواطنين العرب. وقال 41% أنهم يؤيّدون سحب مواطَنةَ مَن يعارض يهودية الدولة. كما قال 50% أنهم لا يوافقون على الدراسة في صفّ يتعلم فيه طالب عربيّ.
ويجمل معد التقرير، الباحث إمطانس شحادة: "تشكّل المواقف السياسيّة والقيم التي تؤيّد الدَّوْس على القيم الديمقراطيّة خطراً جِدّيّاً على الأقّـلّيات الأصلانيّة. الخطورة لا تنحصر فقط في نظام الأغلبيّة الذي يمارس التمييز ضدّ الأقلّـيّة، إنما في مشهد التسامح والتأييد لهذه التوجّهات، والتسامح إزاء سياسة الحكومة والتشريعات العنصريّة. نحن لسنا بصدد الحديث عن فئات فاشية هامشية، إنما بصدد الحديث عن انزلاق النظام والمجتمع ككل نحو نظام الفاشيّة".
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire