لم يعد خافيًا أن دول العالم العربي والخليج بشكل خاص، تُواجه عديدًا من التهديدات والمشكلات البيئية تتمثل في التصحر، وفقدان التنوع البيولوجي، وتلوث المناطق البحرية والساحلية، وتلوث الهواء، وندرة المياه، وجودتها.
وعلاوة على هذه التهديدات البيئية التقليدية، بدأت تظهر مشكلات بيئية أخرى متنوعة تتعلق بالصراعات المسلحة، والتغير المناخي. ويُلاحظ أن كلاًّ من التهديدات التقليدية والحديثة مترابطة، فالتصحر يؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي، كما أن زيادة الثروة الحيوانية والرعي الجائر كلاهما يؤدي للتصحر، وإلقاء النفايات ينتج عنه إصدار غاز الميثان الذي يزيد من حدة مشكلة الاحتباس الحراري، ومن ثم يؤدي إلى التصحر وندرة المياه، وعديدٌ من الكوارث البيئية الأخرى.
وفي هذا الصدد، نعرض لدراسة بعنوان " قضايا المياه في الخليج: حان الوقت للتحرك Water Issues in the Gulf: Time for Action"، للدكتور محمد عبد الرءوف عبد الحميد، وهو مدير برنامج أبحاث البيئة في مركز الخليج للدراسات بدبي. وحاصل على الدكتوراه في علوم البيئة من جامعة عين شمس المصرية، وحصل على دراسات متقدمة في إدارة البيئة من جامعة أوجسبيرج Augsburg University بألمانيا. وقد نشرت الدراسة على موقع معهد الشرق الأوسط بواشنطن The Middle East Institute.
الموارد المائية في دول مجلس التعاون الخليجي
غني عن البيان أن الموارد الطبيعية هي الثروة الحقيقية للأمم. وكما هو معلوم، تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بوفرة في احتياطي البترول والغاز، ورغم ذلك تعاني الفقر سواء في موارد المياه أو الأراضي الصالحة للزراعة. ووفقًا للأمم المتحدة، تصنف جميع دول مجلس التعاون الخليجي عدا عمان باعتبارها تعاني من "ندرة حادة" في المياه. مما يعني أن نصيب الفرد في هذه الدول من المياه المتجددة سنويًّا أقل من 500 متر مكعب. ويرى خبراء البيئة أنها تقترب من 100 متر مكعب، وقد توقعت الدراسة أن موارد المياه لن تفي سوى 67% من السكان بحلول 2015.
وتنقسم مصادر المياه في دول المجلس حاليًّا إلى مصادر مياه تقليدية تتمثل في المياه السطحية، والمياه الجوفية، والمياه الضحلة. بالإضافة إلى مصادر أخرى غير تقليدية تتمثل في المياه المحلاة، ومياه الصرف المعالجة.
وتعاني دول مجلس التعاون الخليجي من الندرة المائية بسبب نقص حجم الأمطار السنوية واعتماد المنطقة بشكل كبير على المياه الجوفية غير الدائمة. وتشير الإحصاءات إلى أن معدل الأمطار السنوي يتراوح بين 70 إلى 130 ملم، باستثناء السلاسل الجبلية في الجنوب الغربي للمملكة العربية السعودية وجنوب عمان التي قد يصل معدل الأمطار فيها إلى أكثر من 500 ملم. ووفقًا للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (UNESCWA) يصل معدل المياه السطحية سنويًّا في المنطقة إلى 3.334 مليون متر مكعب. ذلك إلى جانب زيادة الطلب على المياه، الذي يرجع إلى نمو السكان وسرعة التمدن، بجانب سوء استهلاك مياه الصرف سواء في القطاعات المحلية والزراعية.
ونوهت الدراسة إلى أنه قد تم اقتراح استيراد المياه من مناطق مختلفة في العالم (مثل:أنتاركتيكا) كوسيلة للتغلب على ندرة المياه في منطقة الخليج العربي، رغم ما يواجه ذلك من صعوبات اقتصادية وفنية. كما شملت الخيارات المتاحة استيراد مياه النيل، أو من دول كإيران، باكستان، أو تركيا (عبر خط أنابيب السلام)، وهو ما ثبت عدم فاعليته لارتفاع التكلفة إلى جانب ما يحف الأمر من مخاطر سياسية.
وفي هذا الصدد عرضت الدراسة إلى أهم مصادر المياه في منطقة الخليج، وهي كالتالي:
تحلية مياه البحر: وهو مصدر المياه الاستراتيجي في دول الخليج خلال الفترة الأخيرة. وأشارت الدراسة إلى أن دول الخليج قد أصبحت متقدمة في تكنولوجيا تحلية مياه البحر. إلا أن معظم محطات تحلية المياه وجدت منذ السبعينيات والثمانينيات، وبالتالي فقد استنزفت طاقتها القصوى. وهو ما سبب انقطاع بعضها عن العمل الذي نتج عنه انقطاع المياه إبان فترات الإصلاح. علاوة على زيادة تركيز الملح في منطقة الخليج، نظرًا للكميات الكبيرة من المحاليل الملحية التي تصدر عن محطات التحلية، مما قد يشكل تحديًا أكبر في المستقبل.
كما أن المواد الكيميائية التي يتم إضافتها لعملية تحلية مياه البحر سواء لمنع أو الحد من التآكل قد يجري تصريفها في أجهزة المياه. كما قد تواجه محطات التحلية تحديات كبيرة في تصريف المياه المالحة بطريقة آمنة وتكبد تكاليف كبيرة. وقد نوهت الدراسة في هذا الصدد إلى أن الاعتماد على مياه البحر المحلاة فقط سياسة محفوفة بالمخاطر، بالنظر إلى تقلب طبيعة أسعار البترول والإيرادات، التي تمول بشكل كبير هذه العمليات، إلى جانب تنوع تأثيراتها البيئية السلبية.
المياه الجوفية: وهي تنقسم إلى موارد متجددة وموارد أحفورية أي غير متجددة. ورغم أن السعودية تمتلك كميات جوهرية للمياه الجوفية غير المتجددة في الأعماق إلا أنه يتم استنزافها بسرعة.
وفي هذا الصدد نوهت الدراسة إلى أهمية التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي بشأن استخدام وإدارة مياه هذه الطبقات المشتركة، لأنه في حال تفاقم سوء حالة المياه في المنطقة، ستتعامل الدولة بشكل فردي في استخدامها لمثل هذه الطبقات مما قد يؤدي إلى صراع. وفي كل الحالات، على دول مجلس التعاون الخليجي أن تبدأ في التقييم بدقة للمياه الجوفية تحقيقًا للتوازن لمثل هذا الاحتياطي عبر رصد احتياجاتها السنوية.
إعادة تدوير مياه الصرف: تشكل معالجة مياه الصرف في منطقة الخليج مصدر مياه زائد، ناتج عن استهلاك المياه في المناطق الحضرية. وتستخدم مياه الصرف المعالجة بشكل أساسي في ري محاصيل العلف، الحدائق، المناظر الطبيعية على الطريق السريع، والمنتزهات.
القضايا المائية على أجندة سياسات دول مجلس التعاون الخليجي
تناولت الدراسة عددًا من أهم القضايا التي ترتبط بقضية المياه، فتعرضت بداية لعلاقة المياه بالزراعة في منطقة الخليج، وأشارت في هذا السياق إلى أن حكومات دول مجلس التعاون الخليجي قد قادت مشروعات تنمية المياه من أجل توسيع قطاع الزراعة وتحقيق سياسة الاكتفاء الذاتي من الغذاء، مما ولد مزيدًا من الضغط على الموارد المائية المتاحة. وقد بدأت هذه الدول أثناء السنوات القليلة الماضية في تغيير إدارة المياه وسياسات الأمن الغذائي. وجدير بالذكر هنا، أنه رغم ضعف إسهام الناتج المحلي الإجمالي، استمرت الزراعة في كونها القطاع الأول من حيث استهلاك المياه. فقد زاد استخدام مياه الزراعة من حوالي 73.5 بليون متر مكعب في عام 1990 إلى أكثر من 90 بليون متر مكعب في 2000، والذي سبب ضغوطًا هائلة في الممارسة لموارد المياه المحدودة في المنطقة. فقد شكلت الزراعة 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارات العربية المتحدة، وفي الكويت أقل من 1%، وفي السعودية حوالي 6.5%.
من ناحية أخرى، تناولت الدراسة مفهوم "المياه الافتراضية" الذي يمثل أهمية كبيرة لدول الندرة المائية. فوفقًا للمجلس العالمي للمياه The World Water Council "المياه الافتراضية هي كمية المياه التي تعد جزءًا لا يتجزأ في الطعام أو المنتجات الأخرى التي يحتاج إليها لإنتاجها" و تسمح التجارة في المياه الافتراضية لدول الندرة المائية باستيراد منتجات استهلاكها عالٍ للمياه بينما تصدر منتجات استهلاكها للمياه أقل وبهذه الطريقة يجعل المياه متاحة لأغراض أخرى".
وأشارت الدراسة في هذا الصدد إلى أهمية مشاركة مفهوم "المياه الافتراضية" في خطط التنمية من أجل تخفيف الضغط على موارد المياه النادرة في دول مجلس التعاون الخليجي. وتعرضت الدراسة أيضًا لعلاقة المياه بالتغير المناخي، فأشارت إلى اتفاق الجميع على أن التغيرات المناخية سببت تغيرات في مستويات البحر والطقس.
علاوة على ما سبق، تعرضت الدراسة إلى الصراعات حول المياه، وأشارت في ذلك إلى دارفور التي تعد من أكثر المناطق التي تشهد عنفًا حول موارد المياه في الوقت الحالي، حيث يرجع تصاعد الصراع بين المزارعين السود والبدو العرب في دارفور في السودان إلى الجفاف والتصحر الذي تعاني منه الأجزاء الشمالية في دارفور، والتي دفعت إلى هجرة العرب البدو لجنوب دارفور، ومن هنا بدأت النزاعات حول الأرض وموارد المياه.
وتضيف الدراسة إلى أن المياه تستخدم كأداة سياسية سواء من خلال التحكم أو إغلاق موارد المياه المتوفرة في المنطقة. وتاريخياً، استخدمت الدول المتحاربة موارد المياه الموجودة لتهديد الدول المعارضة إما بتسميم الآبار أو بالتحكم في الوصول إلى المياه التي لم تكن بالضرورة نادرة.
السياسة المائية لدول مجلس التعاون الخليجي
كما هو معلوم أن الموارد المائية من القطاعات الهامة التي يجب الاهتمام بها وتحديد أولوياتها نظرًا للدور الحيوي والرئيس الذي تقوم به المياه في عملية التنمية، ومن هنا أولت دول مجلس التعاون الخليجي عنايتها بقضايا المياه وبكل ما يتعلق بها، واتبعت في ذلك عددًا من السياسات أشارت الدراسة إلى عدد منها. فقد أنشئت لجنة بغرض تحقيق التعاون المائي بين دول مجلس التعاون الخليجي عام 2002. وتبنت بعض الدول سياسات لا مركزية في إدارة المياه، بالإضافة إلى إنشاء وصيانة بنك للمياه، وأطر مشاركة للتعامل مع قطاع المياه. ويعد أفضل مثال على ذلك نظام ري أفلاج وهو نظام يقوم بنقل المياه عبر قنوات مفتوحة منحدرة لري النقاط.
وقد ذكرت الدراسة واحدة من المبادرات التي صدرت مؤخرًا من أجل ترشيد استهلاك المياه، وهي نظام التعريفات الجديدة الذي أقرته هيئة كهرباء ومياه دبي في مارس 2008، والذي يهدف إلى تحفيز المستهلكين على ترشيد الاستهلاك، عن طريق احتساب قيمة فاتورة الاستهلاك بشكل تصاعدي عبر نظام الشرائح، بحيث يدفع المقيمون الذين يستخدمون فوق 2.000 كيلو وات من الكهرباء20 فلسًا لكل كيلو وات، كما يدفع من يستخدم فوق 6.000 جالون من المياه ثلاثة فُلوس لكل جالون من المياه. وفيما يتعلق بهؤلاء الذين يزيد استخدامهم عن 6.001 كيلو وات من الكهرباء وأكثر من 12.001 جالونًا من المياه سيدفعون بالإضافة 33 فلسًا، و4 فلوس لكل وحدة على الترتيب. غير أنه من الملاحظ أن هذه التعريفة الجديدة لا تطبق على المواطنين الإمارتين.
ومن ناحية أخرى، أشارت الدراسة إلى أن عددًا كبير قد أوصى مؤخرًا "بتسعير المياه" كحل أفضل. غير أن عديدًا من الحكومات تعاني من ضعف مواردها المالية. بالإضافة إلى سياسات التعاون الإقليمي بين دول الخليج والمشروعات التي تتبعها.
وأوضحت الدراسة أهمية اتباع "مزيج من السياسات"، جزائية (عقوبات وغرامات)، أو أدوات اقتصادية(حوافز)، بالإضافة إلى برامج نشر الوعي والبرامج التعليمية. إلى جانب الدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني، وتأثيرها في عملية صنع القرار وإتاحة مزيد من المساحة للقطاع الخاص للاستثمار في مشروعات المياه. إضافةً إلى الإعانات المالية المقدمة للزراعة والآبار، والوقود، وغيرها من المدخلات ، أيضًا إعادة النظر في برامج دعم الأسعار، وحماية التجارة، وضع قيود صارمة على سحب المياه الجوفية، وزيادة رسوم الري التي يُسهم في استنزاف أعماق الطبقات الجوفية. وذلك انطلاقًا مِمَّا تمثله المياه من قيمة اقتصادية.
كذلك أشارت الدراسة إلى أهمية الأخذ بمفهوم الإدارة المتكاملة للموارد المائية The Integrated Water Resources Management(IWRM)، والذي تم الإعلان عنه في التسعينيات، وعاد بوضوح في المنتدى العالمي الثالث للمياه في كيوتو عام 2003، وهو يعني بمشاركة الجميع في عملية صنع القرار من أجل تحقيق التنمية الدائمة.
على الجانب الآخر أشارت الدراسة إلى عدد من العقبات السياسية التي تواجه قضايا المياه في منطقة الخليج، يتمثل أولاها في نقص البيانات، وثانيها: غياب هياكل مؤسسية تختص بقضايا المياه، وثالثها: سوء العادات المتأصلة في المجتمع والتي تشكل تحديًا كبيرًا.
وجدير بالذكر، أن الدراسة قد شجعت على أهمية البحث عن حلول لمشكلة الندرة المائية، من منطلقات دينية، فدول الخليج العربي هي جزء من المجتمعات العربية الإسلامية وتتمتع بتراث ديني يشجع على أهمية الحفاظ على هذا المورد الثمين، فهناك آيات قرآنية تحث على عدم الإفراط في استخدام المياه عند الوضوء أو الاغتسال قبل الصلاة. وأخيرًا، أكدت الدراسة على أهمية أن تدرك دول الخليج العربي عدم وجود حل وحيد للمشكلة بالكامل. وأن كل دولة قد تحتاج لنظام إدارة يناسب احتياجاتها. |
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire